قراءة لمدة 1 دقيقة أورد المفسرون الكرام عند قوله تعالى: (ذرية من حملنا مع نوح) حديثين عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الحديث الأول، فهو المشهور، رواه الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى:
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ {الصافات:
77}، قال:
حام، وسام، ويافث .
أخرجه الترمذي وقال:
حسن غريب ، و أحمد، و الروياني، و الطبري .
وضعفه الألباني، و شعيب الأرناؤوط .
وذكر له ابن كثير في البداية والنهاية شاهدين ضعيفين عن عمران بن حصين ، وعن أبي هريرة .
وأما الحديث الثاني فعزاه ابن الملقن في التوضيح لتفسير ابن مردويه .
ولم يزد السيوطي في الدر المنثور في عزوه على ذلك!
وكذاك من تبع السيوطي ، كالشوكاني في فتح القدير، و صديق حسن خان في فتح البيان.
وتفسير ابن مردويه لم يطبع بعد، ويقال:
إنه مفقود!
ومع ذلك؛
فإن النسابين لا يذكرون لنوح إلا الأبناء الثلاثة المذكورين في حديث سمرة، قال القلقشندي في نهاية الأرب:
قد وقع الاتفاق بين النسابين، والمؤرخين أن جميع الأمم الموجودة بعد نوح -عليه السلام-، جميعهم من بنيه، دون من كان معه في السفينة؛
وعليه يحمل قوله تعالى:
{ذرية من حملنا مع نوح}.
وأما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة، فقد روي:
أنهم كانوا ثمانين رجلًا، وأنهم هلكوا عن آخرهم ولم يعقبوا.
ثم اتفقوا أن جميع النسل من بنيه الثلاثة:
يافث، وهو أكبرهم، وسام، وهو أوسطهم، وحام، وهو أصغرهم ..
..
إذا علمت ذلك؛
فكل أمة من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة .
اهـ.
وأما ما يتعلق بامرأة نوح، فما ذكره السائل هو الصحيح، فقد نص القرآن على كفرها، والسفينة لم يركبها إلا المؤمنون، كما قال تعالى:
قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:
40]، وقال سبحانه:
وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ [المؤمنون:
27]، قال ابن كثير :
أي:
من سبق عليه القول من الله بالهلاك، وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله، كابنه، وزوجته .
اهـ.
وجاء في تفسير الجلالين:
{إلا من سبق عليه القول منهم} بالإهلاك، وهو زوجته، وولده كنعان، بخلاف سام، وحام، ويافث، فحملهم وزوجاتهم ثلاثة.
وفي سورة هود:
{ومن آمن وما آمن معه إلا قليل}.
اهـ.
وكذا قال عامة المفسرين.
وقال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب:
وهم امرأته، وابنه كنعان .
اهـ.
وهذا مستند من نفى كون امرأته كانت معه في السفينة.
وقد روى الطبري في تفسير قوله تعالى:
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ {الإسراء:
3}، عن مجاهد قال:
بنوه، ونساؤهم، ونوح، ولم تكن امرأته .
اهـ.
ومن أهل العلم من نصّ على أن امرأته كانت معه في السفينة، كما روى الطبري في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى:
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ {الإسراء:
3}، قال:
بنوه ثلاثة، ونساؤهم، ونوح، وامرأته .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية:
قد قيل:
إن نوحًا -عليه السلام- لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد:
(سام، وحام، ويافث) إلا بعد الطوفان، وإنما ولد له قبل السفينة كنعان الذي غرق، وعابر مات قبل الطوفان.
والصحيح أن أولاده الثلاثة كانوا معه في السفينة هم ونساؤهم، وأمهم، وهو نص التوراة .
اهـ.
وكفر امرأة نوح المنصوص عليه في القرآن لا يخفى على أمثال هؤلاء!
فلعلهم يقصدون أن نوحًا -عليه السلام- كانت له زوجة أخرى مسلمة؛
فقد ذكر بعضهم في سياق واحد هلاك امرأته، وأنه كان معه امرأته في السفينة، كما قال البغوي في تفسيره:
{ إلا من سبق عليه القول} بالهلاك، يعني امرأته واعلة، وابنه كنعان، {ومن آمن}، يعني:
واحمل من آمن بك ..
.
قال قتادة، وابن جريج، ومحمد بن كعب القرظي:
لم يكن في السفينة إلا ثمانية، نوح، وامرأته، وثلاثة بنين له، ونساؤهم" .
اهـ.
وقد نص بعض المفسرين على أنه كان لنوح امرأة مسلمة، قال البيضاوي في أنوار التنزيل:
{إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} بأنه من المغرقين، يريد ابنه كنعان، وأمه واعلة، فإنهما كانا كافرين.
{وَمَنْ آمَنَ} والمؤمنين من غيرهم.
{وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} قيل:
كانوا تسعة وسبعين:
زوجته المسلمة، وبنوه الثلاثة:
سام، وحام، ويافث، ونساؤهم، واثنان وسبعون رجلًا وامرأة من غيرهم.
اهـ.
وكذا قال ابن عجيبة في البحر المديد.
وقال الخطيب الشربيني في السراج المنير:
{إلا من سبق عليه القول} بأنه من المغرقين، وهو:
ابنه كنعان، وأمّه واعلة، وكانا كافرين، حكم الله تعالى عليهما بالهلاك، بخلاف سام، وحام، ويافث، وزوجاتهم ثلاثة، وزوجته المسلمة .
اهـ.
والله أعلم.