قراءة لمدة 1 دقيقة صديقة لي في الابتدائية لما انتقلنا من المكان الذي كنا فيه تواصلت معها عن طريق التليفون ولم أكن أعلم

صديقة لي في الابتدائية لما انتقلنا من المكان الذي كنا فيه تواصلت معها عن طريق التليفون ولم أكن أعلم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأحكام الصداقة الشخصية بين المسلمتين، لا تخرج عن حقوق الرابطة الأخوية العامة بين المسلمين، طالت هذه الصداقة أم قصرت، ومن جملة هذه الحقوق حرمة المقاطعة والهجر فوق ثلاثة أيام لحظ النفس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ .
متفق عليه.
وحيث إن السائلة الكريمة أخذت بزمام المبادرة وطلبت مكالمة صديقتها بعد المشكلة التي وقعت بينهما، فقد أدت ما عليها من واجب التواصل، وهذا القدر كاف في انتفاء وصمة الهجر ورفع إثم المقاطعة عن المبادر، وإن حصل إعراض من الطرف الآخر، فقد روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لا يَحِل لمؤمنٍ أن يَهْجُرَ مؤمناً فوقَ ثلاثٍ، فإن مرَّتْ به ثلاث فلْيَلقَهُ، فليُسَلِّمْ عليه، فإن ردَّ عليه السَّلام فقد اشتركا في الأجرِ، وإن لم يَرُدَّ عليه فقد باءَ بالإثم، وخَرَجَ المُسلِّمُ من الهِجْرَة .
وللمزيد من الفائدة تنظر الفتوى رقم:
.
علما بأن التقصير في الحقوق الأخوية لا يؤاخذ عليه المرء قبل البلوغ لارتفاع قلم التكليف عنه، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:
رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ:
عن النَّائم حتى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتى يَحتَلِمَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ .
رواه أبو داود، وصححه الألباني .
وأما محاولة الوصول إلى الصديقة المقاطعة للتواصل معها، فلا يجب عليك، لاندفاع إثم الهجر بالمبادرة المذكورة كما بيناه، لكن يستحب ذلك، لأنه من تمام الوفاء وحسن العشرة والتذلل بين المؤمنين، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ {المائدة:
54}.
أما إن وقع شيء من التقصير في حق الصديقة أو حصل عليها إيذاء بسبب المشكلة المذكورة، فالواجب على السائلة الوصول إليها لطلب العفو والمسامحة، ففي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ، وَلَا دِرْهَمٌ, إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ, وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ .
وأما عدم قبول صلاة الهاجر أخاه أربعين يوما:
فلا نعلم دليلا يصح في ذلك، وبالتالي فلا تجب إعادة صلاة أربعين يوما وللمزيد تنظر الفتويان رقم:
، ورقم:
.
والهجر المحرم لحظ النفس بين الإخوة لا يتوقف على طول أو قصر عمر الصداقة بينهما، بل على التجافي بعد التآخي والإعراض عند التلاقي، قال أبو الوليد الباجي :
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:
يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا ـ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْرِضُ عَنْ صَاحِبِهِ مُهَاجَرَةً لَهُ، فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ فَهَذَا الْمِقْدَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ .
انتهى.
أما معنى الهجر والمقاطعة:
فقد بينه ابن رجب الحنبلي بقوله:
والهجران:
مأخوذ من أن يولّي الرجل صاحبه دبره ويعرض عنه بوجهه، وهو التقاطع .
وفصله أصحاب الموسوعة الفقهية بقولهم:
وَاصْطِلاَحًا:
قَال الْبَرَكَتِيُّ وَالرَّاغِبُ:
الْهَجْرُ:
تَرْكُ مَا يَلْزَمُ تَعَهُّدُهُ، وَمُفَارَقَةُ الإْنْسَانِ غَيْرَهُ، إِمَّا بِالْبَدَنِ أَوْ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْقَلْبِ .
اهـ.
وبناء عليه، فالمحادثة بين الإخوة وإن كانت بطريقة رسمية فهي كافية في انتفاء وصف الهجر لحصول التواصل باللسان، والأولى من ذلك العفو عن الزلات واحتمال الأذى وصفاء القلوب وإلانة اللسان بين الإخوة، فهذا من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال التي جاء الإسلام بتتميمها.
والله أعلم.

مشاركة

مقترحات التعديلات

من خلال إرسال مقترحك، فإنك توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية لدينا