قراءة لمدة 1 دقيقة يقو ل الله تعلى في كتابه العزيز الحكيم {إنّك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء} و يقول {والذي

يقو ل الله تعلى في كتابه العزيز الحكيم {إنّك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء} و يقول {والذي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
‏ فإن العبد لا يملك أن يستقل بهداية نفسه إلا بتوفيق الله عز وجل، إلا أنه بعد هذا التوفيق ‏من الله سبحانه وتعالى ينفعه اجتهاده في فعل الطاعات واجتناب المعاصي، وهذا هو معنى ‏قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ‏‏(العنكبوت:
69) أي:
لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير والرشاد، وهذا المعنى مبيناً في آيات ‏أخر، كقوله تعالى:
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:
17) ‏ وقوله تعالى:
(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ‏فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة:
124) ‏ والهدى يستعمل في القرآن استعمالين:
أحدهما عام، والثاني خاص، فأما الهدى العام ‏فمعناه:
إبانة طريق الحق وإيضاح الحجة سواء سلكها المبيّن له أم لا، ومنه بهذا المعنى، قوله ‏تعالى:
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ ‏بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:
17) أي بينا لهم طريق الحق، ومنه قوله تعالى:
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ ‏السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:
3) وأما الهدى الخاص فهو:
تفضل الله على العبد ‏بالتوفيق، ومنه بهذا المعنى، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ‏إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام:
90) ‏ وقوله تعالى:
(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ ‏صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا ‏يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:
125) وبهذا يرتفع الإشكال بين قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:
56) ‏ مع قوله (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ‏وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ‏‏(الشورى:
52) ‏ لأن هدى الناس المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص لأن التوفيق بيد الله ‏وحده، وإلى هذين المعنيين ترد كل الأعمال المسندة إلى العبد، فإن المهتدي هو من هداه، ‏الله وبهدي الله اهتدى، وبإرادة الله تعالى كان ذلك، لا أنه مستقل بالهدى، ولا تعارض ‏بين قوله صلى الله عليه وسلم « كل مولود يولد على الفطرة …

»الحديث، وبين ‏الآيتين اللتين في نص السؤال، لأنه معنى الفطرة المذكورة في الحديث هي ما أخذ عليهم في ‏أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقد تقدم الكلام في ‏الجمع بين الآيتين.
‏ والله أعلم.

مشاركة

مقترحات التعديلات

من خلال إرسال مقترحك، فإنك توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية لدينا