قراءة لمدة 1 دقيقة مفهوم التدبر تحرير وتأصيل- جزء 35(ص 171, 175)

يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر:
٢٣].
تحرير وتأصيل
وقال تعالى:
لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْهَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر:
٢١].
وقال تعالى:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَسِقُونَ }
[الحديد:
١٦].
وقال تعالى:
﴿ قُلْ عَامِنُوا بِهِ أَوْلَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَنَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبَّنَا لَمَفْعُولًا ) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ
۱۰۷
يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:
۱۰۷-۱۰۹].
وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأخبار أصحابه مشهورة لا تخفى.
التاسع:
تدبره من أجل الامتثال والعمل بما فيه من الأوامر، واجتناب النواهي.
وعن ابن مسعود في بيان المراد بقوله تعالى:
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة:
١٢١]، قال:
«والذين نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله (۱).
وعن عكرمة:
يتبعونه حق اتباعه باتباع الأمر والنهي، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ويعملون بما تضمنه (۲).
وقال الحسن:
إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، وما تدبر
آياته إلا باتباعه وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول:
لقد
(١) ابن كثير ١/ ٤٠٣ .
(۲) القرطبي ١/ ٩٢ .
۱۷۱
مفهوم التدبر
قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفًا، وقد - والله - أسقطه كله، ما يُرى القرآن له في خُلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول:
إني لأقرأ السورة في نَفَس !
!
والله ما هؤلاء بالقراء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الوَرَعَة متى كانت القراء مثل هذا؟
لا كثر الله في الناس أمثالهم»(1).
وبهذا نعلم أن تدبر القرآن يتنوع بحسب تنوع مطالب المتدبرين، وقد قال
نح الله .
الشنقيطي :
ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم أي:
تصفحها وتفهمها وأدرك معانيها والعمل بها فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكور في الآيات إن كان الله أعطاه فهما يقدر به على التدبر، وقد شكا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه من هجر قومه هذا القرآن، كما قال تعالى:
وَقَالَ الرَّسُولُ يَرَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان:
٣٠] ا.
هـ ، وبذلك تعلم - أيضًا - ما يقع للناس من التفاوت العظيم في باب التدبر، فمن مقل ومكثر ولكن تأخذه الأذهان منه على قدر القرائح والفهوم
وفي هذا المعنى يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله :
والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حكماً أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره، وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به فيفهم من اقترانه به قدرًا زائدا على ذلك اللفظ بمفرده، وهذا باب عجيب من فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به، وهذا كما
(١) الزهد ٢٧٦ - تفسير ابن كثير ٣٦/٤.
۱۷۲
تحرير وتأصيل
فهم ابن عباس من قوله:
﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَثُونَ شَهراً ﴾ [الأحقاف:
١٥] مع قوله:
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة:
۲۳۳]؛
أن المرأة قد تلد لستة
أشهر (۱) ا.
هـ.
والله أعلم.
(۱) إعلام الموقعين ١/ ٤٨٤
وكتبه
د.
خالد بن عثمان السبت
تخصص دراسات قرآنية
جامعة الملك فيصل
۱۷۳
الجلسة الثالثة :
التدبر عند المفسرين ٢
مفهوم
الورقة الثانية:
التدبر في ضوء القرآن والسنة والآثار
د.
محمد بن عبدالله الربيعة
الورقة الثانية:
د.
محمد بن عبد الله الربيعة
مفهوم التدبر في ضوء القرآن والسنة والآثار
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف:
١]، والصلاة
والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن التدبر لكتاب الله تعالى من أولى الغايات التي أنزل من أجلها قال تعالى:
كِتَبُ أَنزَلْنَهُ إِلَيْكَ مُبَرَكُ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَتِهِ، وَلِيَتَذَكَرَ أُولُوا الأَلْبَبِ [ص:
٢٩]، وحين نبتغي الوصول إلى مفهوم التدبر وحقيقته فلا بد من الوقوف في الأدلة من القرآن والسنة والنظر في أقوال السلف وأحوالهم في تعاملهم مع القرآن وتلقيهم له، ذلك أن أعظم منهج لتدبر كتاب الله تعالى هو منهجهم القويم، وقد كان من توفيق الله تعالى أن
منه
قمت بإعداد بحث حول (منهج السلف في التلاوة والتدبر) فرأيت أن أستخلص ورقة عمل للملتقى الأول للتدبر حول مفهوم التدبر في ضوء القرآن والسنة وأقوال
السلف وأحوالهم.
والهدف منها تحرير مفهوم التدبر وتحقيقه لكونه من لوازم قارئ القرآن وواجباته، وليتميز عن المصطلحات القرآنية الأخرى، وليكون منطلقًا للمشروع المبارك الذي
۱۷۵