قراءة لمدة 1 دقيقة علوم القرآن بين البرهان والإتقان دراسة مقارنة- جزء 2(ص 6, 10)

علوم القرآن بين البرهان والإتقان
(7)
وأستطيع القول إن الحارث بن أسد المحاسبي (ت:
٢٤٣هـ) هو أوّل من ألف في بعض تلك العلوم ، مراعياً مضمونها ومحتواها ، دون عنوانها بكتـاب لـه أسمـاه « فهم القرآن » أما أول كتاب يترجَّح لديَّ أنه تناول شيئاً من تلك العلوم ، مع إشهاره لما اصطلح عليه منها ، فهو كتاب « التنبيه على فضل علوم القرآن » لأبي القاسم
الحسن بن محمد النيسابوري ، المعروف بابن حبيب (ت:
٤٠٦هـ) .
وكان الغرض الأساس والغاية المنشودة لمعظم » علوم القرآن » ، يدور حول تفسير القرآن الكريم ، وتسهيل فهمه ، وشرح معانيه ؛
لذلك جرت عادة كثير من مصنفات التفاسير أن تحتوي على مقدِّمة ، أو مقدمات تتضمن أهم هذه العلوم.
ولقد صنفت كتب تجمع عدداً من « علوم القرآن » ، بات من أبرزها :
کتاب « فنون الأفنان في عيون علوم القرآن » لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي الحنبلي (ت:
٥٩٧هـ) ، و ( جمال القُرَّاء وكمال الإقراء » لأبي الحسن علي ابن محمد السخاوي (ت:
٦٤٣هـ) ، و ( المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز » لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي (ت:
٦٦٥ هـ) ، و « الإكسير في قواعد التفسير » لأبي الربيع سليمان بن عبدالقوي الطوفي الحنبلي (ت:
٧١٦هـ) ، و ( البرهان في علوم القرآن ( لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي (ت:
٧٩٤هـ)، و « مواقع العلوم من مواقع النجوم » لأبي الفضل عبدالرحمن بن عمر البلقيني (ت:
٨٢٤هـ) ، و « التيسير في قواعـد علـم التفسير » لأبي عبد الله محمد بن سليمان الكافِيجي (ت:
٨٧٩هـ) ، و « التحبير في علوم و « الإتقان في علوم القرآن ( كلاهما لأبي الفضل عبدالرحمن بــن أبـي
التفسير
6 (
بكر السيوطي (ت:
۹۱۱هـ) .
علوم
ام القرآن بين البرهان والإتقان
(V)
وهذه الكتب التسعة مطبوعة كلُّها ، سوى كتاب جلال الدين البلقيني ، فهـو
في عداد المفقود .
* أهمية الموضوع :
يعتبر
كتاب « البرهان » للزركشي أوسع كتاب في «علوم القرآن » حتى نهاية القرن الثامن، فقد ضمَّنة مُؤلّفه سبعة وأربعين نوعاً من أنواع « عـلـوم القـرآن » مجتمعة، وكان وقوف السيوطي عليه باعثاً مهماً له على تأليف كتابه « الإتقان » بعد أن أتم كتابه « التحبير ) عام (٨٧٢هـ ) - فقد ضمنه ثمانين نوعاً من تلك
حد
العلوم، وجعله مقدمة لتفسيره الذي شرع فيه ، وسماه :
« مجمع البحرين ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية » ، وغدا هذان الكتابان أهم كتابين صنفا في هذا العلم قديماً وحديثاً .
>>
وظل كتاب البرهان » متوارياً بعيداً عن أنظار طلاب العلم فترة ليست قصيرة ، إذ لا أعلم أحداً من العلماء بعد القرن العاشر نقل منه نصوصاً مستفيضة، أو تعرض لتنقيحه واختصاره مثلما حدث للإتقان .
وأظن أن تقدم طباعة « الإتقان » وانتشاره في الأوساط العلميـة هـو العـامل الرئيس في تعريف طبقة أهل العلم المتأخرين به ، بل إن كثيراً ممن تناول بعض الأبحاث القرآنية قبل عام (۱۳۷۷هـ = ١٩٥٨م) - وهي السنة التي طبع فيها البرهان » أوّل مرة - لم يعتمدوا في كتاباتهم عليه .
وإن كان السيوطي - رحمه الله - قد أفاد من « البرهان » واقتفى أثره بصورة
عامة ، إلا أن عمله لم يكن الوجه المقابل له ؛
لاعتبارات ، منها :
۱ – أن السيوطي أضاف أنواعاً جديدة من « علوم القرآن » تُعد نقلة في تاريخ التأليف في هذا العلم
علوم القرآن بين البرهان والإتقان
(v)
۲ - احتوى كتاب « الإتقان » زيادات عديدة في المسائل ، والمباحث ، والمصادر، لم تكن موجودة عند الزركشي ، كما كان له وقفات تأملية حرَّر منها بعض الآراء والأقوال، ورتب بعض أنواع « البرهان » ترتيباً أنسـب مـن ترتيب الزركشي،
وفصل بعض المسائل التي حَقَّها أن تُبيَّن، وأدمج بعض الأنواع في بعض .
وقد احتفى أهل العلم بكتاب « الإتقان ( واعتنوا به ، واتخذ هذا الاهتمام
اتجاهين :
—
اتجاه ضمَّ » الإتقان » مع زيادة عليه ، كما فعل ابن عقيلة المكي (ت:
١١٥٠هـ) في كتابه « الزيادة والإحسان في علوم القرآن » ، فقد ضمنه أربعة وخمسين ومئة نوع ، أصولها أنواع السيوطي
- اتجاه الاختزال والاختصار له، وتمثل في أحد عشر كتاباً منثوراً، ونظم المجهول ) كان حيا عام ١٠١٣هـ) ، عقد فيه مسائل « الإتقان » ومباحثه
- أختار عنوان الزركشي فأثبته في مطلع النوع دون عنوان السيوطي
أسباب اختيار الموضوع :
ولمّا كان لهذين الكتابين تلك الأهميّة والمكانة رغبت في دراستهما ، مقارنة بينهما ؛
لعدة أسباب ، منها :
وإجراء
١ - تجلية جهود الإمام الزركشي في تأسيس بعض أنواع «علوم القرآن » التي لم
يسبق إليها .
٢ - إبراز زيادات الإمام السيوطي على الزركشي من حيث التأصيل ، والأنــواع ،
-
والمصادر .
•
بيان تطور التأليف في « علوم القرآن » من حيث الجمود والازدهار ٤- بيان أثر هذين الكتابين فيمن ألف بعدهما في هذا السبيل .
ه - تعريف الباحث بمناهج المؤلّفين في «علوم القرآن » عامة ، وبمنهج الزركشي
والسيوطي بخاصة .
علوم القرآن بين البرهان والإتقان
*
منهج المقارنة باختصار :
(۹)
سلكت في مقارنتي لأنواع علوم القرآن » المتفق عليها بين الزركشي
والسيوطي المنهجية التالية :
>>
١ - أعرض لتلك الأنواع حسب تسلسل ذكرها في « البرهان » .
.
٣ - ثم أتحدث عن محتويات النوع من خلال منهجيَّة رباعية ، متمثلة بـ :
:
( أ ) أتحدث عن الفرق بين عنواني » البرهان » و « الإتقان » إن كان ثَمَّةَ فروق تذكر ، وأبين أيهما أدق وأحكم سبكاً من الآخر ، وأظهر إن كانت زيادة أحدهما على الآخر استوعبت في أحد العنوانين أم لا ، وقد أشير إلى بعـض فـروق
نسخ الكتاب الواحد منهما ، إن كان يترتب على تلك الفروق أثر في اختلاف
المعنى
(ب) ثم أتحدث عمَّا صدرا به النوع من مصنفات مفردة في « علوم القرآن »، فأذكر ما اتفقا عليه منها، وأبين زيادة أحدهما على الآخر في وصف تلـك المصنفات ، أو بيان بعض مزاياها ، أو نقدها ، أو غير ذلك .
(جـ) ثم أعرض المباحث النوع بحسب عرض الزركشي لها ، وأُبين مواضع الاتفاق والافتراق بينهما بعبارة وجيزة مُلبية للغرض ، ثم أردف الكـلام علـى
:
مباحث السيوطي التي طرقها - ولم ترد في «البرهان » - من غير تفصيل لها ؛
لأني أفردت تلك الزيادات بفصل مستقل فصلتها فيه .
وقد أُعرف النوع إذا لم يعرفاه وكان فيه إبهام أو غموض .
واستطعت - بعون الله - أن أقف في مواضع على أصل كلام الزركشي
والسيوطي الذي استقيا منه ، فبينت ذلك
( د ) ثم أتبع ذلك كله بذكر الملاحظات التي أراها حريـة بـالإيراد مـن بيـان
علوم القرآن بين البرهان والإتقان
(+)
وهم ، أو خطأ ، أو إظهار رأي راجح ، أو قصور في وفاء مسألة جوانبها الرئيسة.
وهذه المنهجية تنسحب على دراستي لانفرادات الزركشي ، ويوجد شيء من مرداتها مطبق على انفرادات السيوطي ، مع ملاحظة أن زيادات الأنواع عند السيوطي لها طبيعة تحكمها وتد أظهرت هذه الدراسة تاريخ بعض مسائل علوم القرآن » ، لا أظن أنه يمكن الوقوف عليها بدون تلك المقارنات ، ونبهت على أوهام ، وصححت بعض المعلومات عن كتب معيَّنة ، وأشارَتْ إلى تواثق الصلة بين « علوم القرآن » و « أُصول التفسير » ، وبروز طائفة وفيرة من ضوابط التفسير وقواعده في
تضاعيف كتب « علوم القرآن »
خطة البحث :
>>
اقتضت طبيعة البحث أن يكون في مقدمة ، ومدخل ، وتمهيد ، وستة فصول،
وخاتمة :
أما المدخل ، فتضمن مبحثين :
المبحث الأول :
تعريف » علوم القرآن » من حيث اللغة والاصطلاح .
المبحث الثاني :
ترجمة موجزة للإمامين الزركشي والسيوطي
أما التمهيد ، فتضمن ثلاثة مباحث :
المبحث الأول :
نشأة » علوم القرآن » والمراحل التي مرت بها .
المبحث الثاني :
أول من ألف في «علوم القرآن » .
المبحث الثالث :
تعريف موجز بالكتب المعتبرة في «علوم القرآن » ، التي
سبقت « البرهان » و « الإتقان »
وأما الفصول الستة ، فهي
:
الفصل الأول :
أنواع « علوم القرآن » في « البرهان » و « الإتقان » ،
وتضمن