قراءة لمدة 1 دقيقة البرهان في ترتيب سور القرآن (ط. أوقاف المغرب)- جزء 15(ص 71, 75)

البرهان في ترتيب سور القرآن (ط. أوقاف المغرب)- جزء 15(ص 71, 75)

تعريف التناسب :

التناسب وجه من وجوه الاعجاز

المناسبة في اللغة المشاكلة والمقاربة ومرجعها في الآيات ونحوها الى معنى رابط بينهما عام أو خاص عقلي أو حسي أو خيالي أو غير ذلك من أنواع علاقات التلازم الذهني كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول والنظيرين والضدين، ونحو

ذلك .
(1)

ومناسبة الآيات والسور وارتباط بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني مرتبطة المباني وجه من وجوه اعجاز القرآن الكريم فكما معجز بحسب فصاحة الفاظه وشرف معانيه فهو أيضا بسبب ترتيبه ونظم

أنه

آياته»(2).

علم المناسبات وأهميته :

علم مناسبات القرآن هو علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر البلاغة، لأدائه الى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتتوقف الاجازة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها، ويفيد ذلك معرفة المقصود من جميع جملها ، فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير كنسبة علم البيان من النحو »(3)

قال السيوطي :
علم المناسبة علم شريف قل اعتناء المفسرين به لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين قال في تفسيره :
أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط» وأول من سبق إلى هذا العلم الشيخ أبو بكر النيسابورى،

(1)

(4)

معترك الاقران في اعجاز القرآن للامام السيوطي 57/1.
تحقيق محمد علي البجاوي، ط، دار الفكر العربي.
نفس المرجع 1 /56.

نظم الدرر في تناسب الآي والسور لبرهان الدين البقاعي (مخطوط) رقم 181 في الخزانة العامة بالرباط :
3/1.
معترك الاقران 1 /55.

  • 71 -
  • وكان كثير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول على الكرسي إذا قرئت عليه الآية :
    «لم جعلت هذه الآية جنب هذه ؟
    وما الحكمة في جعل هذه السورة في جنب هذه السورة ؟
    وكان يزرى على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة»(5).
    وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام :
    «المناسبة علم حسن لكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك يصان عن مثله الحديث فضلاً أحسنه، فإن القرآن نزل في

    حسن

    عن

    نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض» (6)

    وقد وهم الشيخ ولي الدين الملوي من قال لا يُطلب للآية الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المتفرقة فقال :
    «وفصل الخطاب إنها ـ أي الآية .
    ــ ـــ على حسب الوقائع تنزيلاً وعلى حسب الحكمة ترتيباً وتأصيلاً، فالمصحف على وفق المحفوظ مرتبة سوره وآياته بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة»(7).

    اللوح

    أنواع التناسب :
    لقد تنبه المفسرون والباحثون في البلاغة وإعجاز القرآن إلى ألوان ودرجات من التناسب تبلغ الذروة في تصوير القرآن وإعجازه ذكر منها سيد قطب ما يلي :
    1 - التنسيق او التناسب في تأليف العبارات بتخير الألفاظ، ثم نظمها في نسق خاص يبلغ في الفصاحة أرقى درجاتها، وقد أكثروا من القول في هذا اللون وبلغوا غاية مداه.

    .

    -

    2 - الإيقاع الموسيقي الناشيء من تخير الألفاظ ونظمها في نسق خاص، ومع أن هذه الظاهرة واضحة جد الوضوح في القرآن، وعميقة كل العمق في بنائه

    (5)

    أحمد

    هو محمد بن عبدوس بن الجنيد أبو بكر المقرئ المفسر الواعظ النيسابوري إمام فاضل عالم بمعاني بن (طبقات المفسرين للداودي :
    191/2).
    تحقيق علي محمد عمر ط، 1 مطبعة

    القرآن توفي سنة 338 هـ الاستقلال الكبرى نشر مكتبة وهبة.

  • 72 -
  • معترك الاقران 1 /55.

    المصدر السابق 1 /56،55.

    (6)

    (7)

    الفني، فإن حديثهم عنها لم يتجاوز ذلك الإيقاع الظاهري، ولم يرتق إلى إدراك التعدد في الأساليب الموسيقية، وتناسق ذلك كله مع الجو الذي تطلق فيه هذه

    الموسيقى، ووظيفتها التي تؤديها في كل سياق.

    3

    تلك التنبيهات البلاغية التي تنبه لها الكثيرون من التعقيبات المتفقة مع السياق، كان تجىء الفاصلة «وهو على كل شيء قدير» بعد كلام يثبت القدرة، والفاصلة ان الله عليم بذات الصدور» (8) بعد كلام في وادي العلم المستور، وكأن يعبر بالإسم الموصول لتكون جملة الصلة بياناً لعلة الجزاء مثل :
    «إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط»(9) ، وكأن يعبر بلفظ «الرب» في مواضع التربية والتعليم مثل «إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسن من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسنُ ما لم يعلم»(10) بينما يعبر بلفظ «الله» في مواضع التأليه والتعظيم مثل :
    ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام»(1).

    4

    ذلك التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات، والتناسب في الانتقال من غرض إلى غرض وبعضهم يتمحل لهذا التناسق ـ يقول سيد قطب تمحلا لا ضرورة له حتى ليصل إلى حد من التكلف ليس القرآن في حاجة إلى

    شيء منه.

    5 - التناسق النفسي بين الخطوات المتدرجة في بعض النصوص، والخطوات النفسية التي تصاحبها كقول الزمخشري عند تفسيره لسورة الفاتحة :
    «إن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكرة لما هو فيه بقوله :
    «الحمد لله» الدال على اختصاصه بالحمد وإنه حقيق به، وجد من

    -73-

    لقمان :
    23 الاعراف :
    39.

    العلق :
    1

    لقمان :
    33

    (8)

    (9)

    (10)

    (11)

    منعم

    نفسه لا محالة محركا للإقبال عليه، فإذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله :
    «رب العالمين» الدال على أنه مالك للعالمين، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته وربوبيته قوى ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى قوله :
    «الرحمن الرحيم» الدال على أنه بأنواع النعم جلائلها ودقائقها تضاعفت قوة ذلك المحرك، ثم إذا انتقل إلى خاتمة هذه الصفات العظام وهي قوله :
    «مالك يوم الدين» الدال على أنه مالك للأمر كله يوم الجزاء، تناهت ،قوته وأوجب الإقبال عليه، وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات :
    إياك نعبد واياك نستعين».
    (12) ثم عقب رحمه على هذه الأنواع من التناسب بقوله :
    «ومع الخصائص التي طرقوها حقيقية وقيمة فإنها لا تزال أولى مظاهر التناسق التي يلمحها الباحث في القرآن، ووراءها آفاق أخرى لم يتعرضوا لها أصلاً»(13).
    ثم قال ولما كان التصوير في القرآن مسألة لم يعرضوا لها قط بوصفها أساسا للتعبير القرآني جملة فقد بقي التناسق الفني في هذا «التصوير» بعيدا عن آفاق بحثهم بطبيعة الحال».
    (14)

    الله

    أن

    (6) ـ التصوير الفني :
    ويمكن اعتبار التصوير الفني في القرآن» نوعا

    سادسا من أنواع التناسق، وهي

    مسألة لم يسبق إليها

    -

    سید قطب رحمه

    الله،

    وبقي التناسق الفني في هذا التصوير» بعيداً عن آفاق بحثهم كما يقول هو

    نفسه (15)

    والتصوير الفني عند سيد قطب هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن، فهو ـ أي القرآن يعبر بالصورة المحسة المتخيَّلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة

    (12)

    V

    74 75 27 للشهيد السيد قطب ،ط، 1971/7 دار إحياء التراث العربي التصوير الفني في القرآن .

    بيروت.

    ص

  • 74 -
  • نفس المصدر ص :
    75.

    نفس المصدر ص

    .
    76 :

    نفس المصدر.

    (13)

    (14)

    (15)

    البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة فإذا المعنى الذهني هيئة او حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة او مشهد،

    وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية».

    فأما الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر فيردها شاخصة حاضرة، فيها

    ،

    الحياة، وفيها الحركة، فإذا أضاف إليها الحوار، فقد استوت لها كل عناصر التخيل، فما يكاد يبدأ العرض حتى يُحيل المستمعين نظارة وحتى ينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأول، الذي وقعت فيه او ستقع، حيث تتوالى المناظر وتتجدد الحركات، وينسى المستمع أن هذا الكلام يتلى ومثل يضرب ويتخيل أنه منظر يعرض وحادث يقع، فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو، وهذه سمات الإنفعال بشتى الوجدانيات المنبعثة من الموقف المتساوقة مع الحوادث وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة، فتنم عن الأحاسيس المضمرة.
    (16)

    التناسب في نظم القرآن

    :

    وإذا كان التناسب في القرآن هو منبع السحر فيه، فإن بعض الباحثين في مزايا القرآن قد تلمسوا جوانب أخرى لتأثير القرآن واعجازه كتشريعه العادل، واخباره عن المغيبات التي تحققت بعد سنوات، ومطابقته للحقائق العلمية في خلق الكون والانسان.
    وإذا كان البحث في هذه المجالات إنما يثبت المزية للقرآن مكتملا، فما القول في السور القلائل التي لا تشريع فيها ولا غيب ولا علوم، ولا تجمع ـ بطبيعة الحال - كل المزايا المتفرقة في القرآن ؟
    ان هذه السور القلائل ـ ومنذ نزولها ـ قد سحر العرب بها مما يدل على أنها كانت تحتوي على العنصر الذي يأخذ بألباب المستمعين ويستحوذ على المومنين والكافرين، حتى قال قائلهم فيه

    إن هذا الا سحر يوثر »(17).

  • 75 -
  • التصوير الفني في القرآن :
    34.

    المدثر :
    24.

    (16)

    (17)

مشاركة

مقترحات التعديلات

من خلال إرسال مقترحك، فإنك توافق على شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية لدينا